mardi 15 juillet 2008

Joumana Haddad - Feminist Manifesto

مانيفست لأنوثة جديدة
جمانة حداد
(لبنان)
سيدتي سيمون دو بوفوار،
إسمحي لي أن أتخذكِ اليوم ذريعةً للحديث عني، وأن أتخذ نفسي ذريعة للحديث عنكِ. الاتجاهان واحد. قلائل يدركون.
فرنسا والحركة النسوية والعالم أجمع تحتفل هذه السنة بمرور مئة عام على ولادتكِ. دعيني أتحجج بهذه المناسبة، لكي أحكي لكِ، ومعكِ، عن الظل. عن التواضع الكاذب. عن الإجماع. عن شيء من الحكمة. عن الأنوثة. عن الأنوثة الجديدة خصوصاً.
سيدتي،
- لي صديقة تمشي في الظل كي يقال إنها في الظل تمشي. لأن المشي في الظل -هكذا لُقِّنت ودُرِّبت- مدعاة للإعجاب والإشادة والمفخرة، وإن كان نفاقاً (معظمه نفاقٌ بحت). فماذا تقولين لصديقتي هذه، وأنتِ لم تخشي الوقوف في الضوء يوماً؟ أنا، مثلاً، لا أريد الظلّ. عالياً أعلنُ لا أريده. لستُ من اللواتي يمشين بخطى مختبئة في الكواليس، لكي يتحدث الناس عن انسحابي، وترفعي عن الشهرة. هذا خبثٌ لا أستسيغه، ولا أستطيع أن أتحمّل أحداً من هؤلاء الذين يتخفّون وراءه، كسباً لـ"احترام" زائف، أو لوهم امحاء مصطنع، بينما يسيل لعابهم سرّاً لعين واحدة ترصد وجودهم، وبنان واحدة تدلّ عليهم، وإشارة واحدة في مقالة "تفيهم حقّهم المهضوم". لا يعني ذلك طبعاً أن كل توارٍ مزوَّرٌ، وكل ظهورٍ صادقٌ (الخلط والتعميم مستحبّان، لأسباب متنوّعة، في أذهان الغالبية). ولا هو يعني أن ألهث وراء الضوء. ولا هو يعني أن أبيع روحي على حساب عزلتي وكتابتي وحياتي الداخلية والشخصية. بل يعني أن أكون كما أنا، أي امرأة تؤثر السير بخطى قوية، واثقة، علنية، مشمسة، مشمسة خصوصاً، حتى لو كلّفتها هذه الخطى الكثير الكثير.
وهي تُكلّف. لا بأس أنها.
- لي صديقة ثانية تمشي في محاذاة الحائط كي لا ينتبه إليها قنّاصُ نجاحٍ فيرشقها بحجار حسده. "إدّعي الموت"، قيل لها، "كي لا تنقضّ وحوش الغيرة عليك. الوحوش لا تحبّ الجيف، بل هي تبحث عن فرائس حيّة". فماذا تقولين لصديقتي هذه، وأنت لم تخشي القنص والقنّاصين يوماً؟ أنا، مثلاً، أرفض المشي في محاذاة الحائط. عالياً أعلنُ أرفضه. بشرتي الرقيقة تتحمل من رضوض الحجار أكثر بكثير مما توحي. وقد تحملت. التواضع درعٌ وإن تكن كاذبةً، يشاع؟ ربما. لكني لا أريد مثل هذه الدرع. هجمات الوحوش لن تجعلني أمشي بخطى متباطئة وحذرة في محاذاة الحائط، تجنباً للتنكيل والتشويه. لا يعني ذلك أن أتعجرف، وأن أصاب بفقدان البصيرة. ولا هو يعني أن "أصدّق نفسي"، وأتجاهل الآخر. بل يعني أن أكون كما أنا، أي امرأة تؤثر شقّ الطرق المجهولة والصعبة وغير الآمنة، وصولاً الى ما يشكل اكتشافاً جديداً، وأفقاً مفتوحاً، في الحياة وفي الأدب، حتى لو كلّفتها هذه الطرق الكثير الكثير.
هي تُكلِّف. لا بأس.
- لي صديقة ثالثة تريد أن يحبّها الجميع بلا استثناء. وأن يقدّرها الجميع بلا استثناء. وأن يمدحها الجميع بلا استثناء. "إياكِ ومعاداة الناس"، قيل لها، "إكسبي ودّ الجميع حتى لو اضطررت الى الضحك عليهم". هي تضحك. ملء ريائها تضحك. فماذا تقولين لصديقتي هذه، وأنت لم تخشي الأعداء يوماً؟ أنا، مثلاً، أزدري الإجماع. عالياً أعلنُ أزدريه. فالإجماع عندي يعني القطيعية. ويعني أن الشخص المجمَع عليه لا لون له ولا طعم ولا رائحة. لا أحتاج الى ودٍّ مسايِر كي أشعر بالأمان. لا أحتاج الى إرضاء الآخرين كي أشعر بالرضا عن ذاتي. لا أحتاج الى حماية مشاعر، ظاهرُها مغلّفٌ بالتقدير والمجاملة، وباطنها مفخّخ بالكراهية والحقد. فإذا كان لا بدّ من أعداء (هم لا بدّ منهم)، فليكن أعداء. خارج الدمغة الفردية، لا أريد شيئاً يُذكَر، لأن لا شيء يُذكَر. هذا لا يعني الخروج القسري عن السرب والتميّز "بالقوة"، لأن نتيجة التميّز بالقوّة فولكور سخيف. ولا هو يعني استفزاز الكراهية والحقد بلا مبرّر. بل يعني أن أكون كما أنا، أي امرأة إشكالية، لا امرأة طبق الأصل عن النساء. امرأة ذات رأي خاص، وأفكار خاصة، وموقف خاص، لا عنصراً من عناصر المشهد النمطي السائد والمكرّر والواحد، حتى لو كلّفتها هذه الخصوصية الكثير الكثير.
هي تُكلِّف. ولا بأس.
عزيزتي سيمون،
ييمكنني الاسترسال معكِ الى ما لا نهاية حول صديقاتي هؤلاء، وأحسبني سأفعل، في مناسبة أخرى. لكن المغزى كل المغزى هو أن أقول لكِ، لهنّ، ولي، إني هكذا. أجل، هكذا أنا. أحبّ أكون من أكون. وهذه هي في رأيي الأنوثة الجديدة التي نحن في حاجة إليها اليوم. أنوثةٌ لا تخاف حقيقتها. لا تخاف قوّتها. لا تخاف هشاشتها. لا تخاف طمعها. لا تخاف فجاجتها. لا تخاف شراستها. لا تخاف نعومتها. لا تخاف خسائرها. لا تخاف فضولها. لا تخاف صراحتها. لا تخاف جنونها. لا تخاف أخطاءها. لا تخاف موهبتها. لا تخاف جمالها. لا تخاف لغتها. لا تخاف شبقها. لا تخاف متطلباتها. لا تخاف نقائضها. لا تخاف طيشها. لا تخاف نضجها.
أنوثةٌ، في اختصار، لا تخاف أنوثتها.
لا أزعم أني نموذجٌ يُحتذى. البتة. على الاطلاق. ولا أدّعي امتلاك الأجوبة. بل على العكس من هذا تماماً: إن أنا سوى أسئلتي وأغلاطي. لكن حان الوقت، منذ وقتٍ، كي لا نخشى الخروج على المعادلات الجاهزة للأنوثة. وللكتابة. وللحياة.
أما الرجعيون والخبثاء والكارهون والجبناء والمعقّدون والبلهاء (إناثاً وذكوراً)، فليذهبوا حيث يشاؤون أن يذهبوا. هناك، لن يربحوا سوى الظلامية والتحجّر والغيرة التي تنهش عيونهم وقلوبهم وعقولهم و... أقلامهم.
أما نحن، بنات الأنوثة الجديدة، فحيث نحن ذاهبات سنخسر. سنخسرهم، سنخسرهنّ، بالتأكيد. وهذا لنا ربح عظيم!

Aucun commentaire: